تسجيل الدخول
قائمة الفنانين
Encyclopedia of Modern Art and Arab World
موســــوعة الفـن الحديـــث والعالــم العربـــي
قائمة الفنانين

فخر النساء زيد

إرث بصري لحياة استثنائية

​​​​​​ بقلم سلوى مقدادي
ترجمة سلام شغري

ولدت الأميرة فخر النساء زيد عام 1901 في إسطنبول، تركيا لأسرة عثمانية عريقة خرج منها دبلوماسيون وفنانون وأدباء. بدأت الرسم في سن الرابعة عشرة، وفي عام 1920 التحقت بأكاديمية الفنون الجميلة في إسطنبول وأصبحت من أوائل خريجاتها الإناث.

 سافرت عام 1927 إلى باريس للدراسة على يد "روجيه بيسييه" و"ستالباخ" في أكاديمية "رانسون". وقد انتهى زواجها الأول من الروائي عزت مليح دفريم بالطلاق بعد أن أثمر ولداً وبنتاً هما الفنان التركي المعاصر البارز نجاد دفريم (1923 - 1995) والفنانة شيرين دفريم (1926 - 2011). لدى عودتها إلى إسطنبول انضمت إلى حلقة الفنانين المعروفة باسم " المجموعة د" فقامت بتجريب عدد من الأساليب الفنية باستخدام لغة بصرية محلية خلقت نوعًا من التواصل بينها وبين الجمهور المتلقي. جمع بين أعضاء "المجموعة د" اهتمام مشترك بنوع من الفنون الحديثة لم تكن تروق للطبقة البورجوازية في إسطنبول التي كانت تفضل الفنون الوافدة من لندن وباريس على الفنون المحلية الحديثة. في مقابلة لها مع "إدوارد روديتي" عام 1960 وصفت زيد تلك الفترة بالقول "كان يُنظر إلينا على أننا مبدعون ثوريون خطرون لأننا كنا نصرُّ على عرض أعمالنا أمام العامة، وليس فقط أمام النخبة المثقفة كما كان يفعل الرسامون في الماضي ... وكنا نعلق نفس الأهمية على ملاحظات وتعليقات العمال الأميين كالتي نعلقها على آراء المثقفين المحنكين" 1​​. يُعد هذا التعليق الصادر من امرأة مدللة سليلة السلاطين تعليقاً دراماتيكيا وجرئيا يشبه الفنانة ولوحاتها.

تزوجت فخر النساء زيد من جديد عام 1933 من الأمير زيد بن الحسين، سفير العراق لدى تركيا وعم الملك حسين في الأردن، وأنجبت له ولداً هو الأمير رعد الذي لا يزال يدعم ويرعى إرث زيد حتى اليوم. أول معرض فردي لها كان عام 1944 في قاعة خاصة في إسطنبول، وسرعان ما تلته معارض أخرى في باريس ولندن وفلورنسا وبرلين وبروكسل وزيوريخ ونيويورك. هذا وقد شاركت الفنانة في أكثر من 50 معرضاً في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط. سافرت زيد كثيراً في أرجاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية برفقة زوجها الذي شغل منصب سفير العراق لدى عديد من العواصم الأوروبية. أتاحت لها هذه الرحلات فرصة التعرف على أعمال فناني الغرب العظماء من أمثال "هنري ماتيس" و"بابلو بيكاسو" و"جوان ميرو" الذين انعكست أعمالهم وأفكارهم بوضوح في لوحاتها الأولى.

ومع تطور أسلوبها الفني أسست لنفسها أسلوباً مميزاً خاصا بها، يظهر في لوحاتها الرحبة الشبيهة بالفسيفساء بألوانها الساطعة وأنماطها المميزة​ التي تؤكد ​عشقها للتراكيب. تنوعت مواضيعها ما بين رسم الحياة اليومية ورسم لوحات شخصية لأفراد العائلة والأصدقاء ولطلابها، تميزت بوجوه متطاولة وعيون مستديرة كبيرة، وملامح مبالغ فيها بأسلوب بيزنطي شبيه برسم الأيقونات، ما يعكس تأثرها باللوحات المصرية الفيومية القديمة. تعتبر زيد اليوم رسامة تجريدية من مدرسة باريس لكن أعمالها تحوي عناصر بيزنطية وعثمانية وإسلامية قوية تظهر واضحة في لوحاتها ومناظرها الطبيعية الأولى. وفي معرض تعليقه على براعة أعمال زيد يقول "رولاند بينروز": "إن تصنيف لوحة كهذه على أنها "تجريدية" يعني تقليص قيمتها الجوهرية وفشلاً في استيعاب قوة جاذبيتها البصرية" 2  

عكست أعمال زيد اهتمامها بالصوفية التي كان عديد من النقاد يشيرون إليها باسم الشرق الصوفي. وفي أوروبا مابعد الحرب العالمية الثانية أطلق على فخر النساء زيد اسم الفنانة العالمية.

وفي معرض تعليقها على مصادر الإلهام المتعددة في لوحاتها تقول زيد: "أنا سليلة أربع حضارات، وفي لوحتي الشخصية ترى اليد فارسية والثوب بيزنطي والوجه كريتي والعيون شرقية، لكنني لم أدرك هذه الحقيقة أثناء انهماكي في رسم اللوحة". 3

خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين تنقلت زيد وأسرتها بين عدد من المدن الأوروبية، وكانت جزءًا حيويا من المشهد الفني الأوروبي في مرحلة ما بعد الحرب، فعرضت أعمالها في جاليري "سانت جورج" في لندن عام 1947 كانت التأثيرات المتنوعة الظاهرة في أعمالها ورؤيتها الكونية أكبر دليل على حياتها الدينامية النشطة، والأماكن التي عاشت فيها، والأحداث التي أثرت عليها وعلى شغفها بالرسم. كما أصبحت جزءًا من مجموعة الفنانين المعاصرين في باريس، وعرضت أعمالها إلى جانب الرسام الألماني " هانز هارتنج" ، والرسام الروسي "سيرجي بولياك"، والفنانين والنحاتين الفرنسيين "جان ماساييه" و"بيير ديميترينكو" وغيرهم. وفي هذه المرحلة اقتنى "أندريه بريتون" إحدى لوحاتها. وقد لخَّص القيم والناقد الفني الرائد آنذاك " تشارلز أستيين" أهمية فن زيد بقوله: "أعمالها عبارة عن تجاور مذهل يفتت التصنيفات الجمالية ويحولها إلى قطع صغيرة تُرسم فتفصل البلاد والأعراق والثقافات" 4. حمل أستيين كثيراً من التقدير لفن زيد واستمر في متابعة مسيرتها المهنية لعدة سنوات. حازت أعمال زيد على إعجاب عديد من النقاد، إلا أن "تشارلز أستيين" كان أكثر معجبيها إخلاصاً.

عام 1975 استقرت زيد في الأردن بعد أن أمضت سنوات طويلة من حياتها في أوروبا. رحَّب الفنانون وعشَّاق الفنون بها  بحماسة كبيرة وكانوا متعطشين للتعلم من خبرتها الطويلة كفنانة عالمية. أحاطت زيد نفسها بالفنانين. وقد عملت على اكتشاف الواعدين بينهم. وقد صادقت الكثير من الفنانات اللواتي تدربن في "معهد فخر النساء زيد للفنون الجميلة" الذي أسسته في بيتها وجعلته صالوناً فنيا للرسم وتبادل الأفكار، وقد قامت هي شخصيا بالتدريس فيه. وعلى الرغم من أن المعهد لم يستمر أكثر من أربع سنوات فقط، إلا أن طريقتها المكثَّفة في التدريس نجحت في ترك أثر عميق على عدد من أهم الفنانين العرب اليوم مثل الفنانة سهى شومان صاحبة مؤسسة خالد شومان - دارة الفنون وهي مركز للفنون البصرية وفنون الأداء في عمان. وقد منحتها إسهاماتها المستمرة للفن المحلي احتراماً كبيراً في الأردن.

كانت زيد رسَّامة غزيرة الإنتاج أمضت ما يقارب الستين عاماً من حياتها في رسم مئات اللوحات بوسائل متعددة. شملت أعمالها لوحات كبيرة بالألوان الزيتية، والألوان المائية، والطباعة الحجرية، والكولاج، والزجاج الملون. في مسقط رأسها تعتبر زيد رائدة الرسم التجريدي التركي الحديث، ويُحسب لها تأثيرها على الموجة الفنية التي سيطرت على الفنانين المعاصرين الشباب في فترة الخمسينيات في تركيا. كما تعتبر زيد رائدة الفنون في فترة السبعينيات والثمانينيات في الأردن، ولا تزال إسهاماتها في المشهد الفني المحلي واضحة في أعمال تلاميذها وفي إرثها الفني.

بالنسبة لزيد لم يكن الفن مجرد جزء من حياتها، بل كان مسيطراً على كيانها بطريقة صوفية غيبية، حتى إنها غالباً ما نصحت تلاميذها بأن يتواصلوا مع ذاتهم الداخلية ضمن نطاق اللوحات. وقد رفضت التصنيف في فنها إذ تميزت أعمالها بحرية اختيار عناصر مأخوذة من الأساليب والمدارس الفنية المتعددة التي درستها. كانت فنانة محترمة فُتحت أمامها آفاق الأسفار واستكشاف الفنون، كما وُهبت قدرات إبداعية مكنتها من اختبار أنماط فنية مختلفة وتطوير فن خاص بها. يمكن اعتبار زيد اليوم فنانة عالمية حقيقية. وعلى الرغم من أن النقاد لا يتفقون على أنها تأثرت في أعمالها بالمدرسة التعبيرية التجريدية، إلا أن منحوتاتها الراتنجية تظهر هذا الجانب وكذلك بعضاً من اللوحات التي نفذتها على القماش. كما يظهر أثر فن المنمنمات في لوحاتها المشهدية التي تمثل مهرجانات أو معارض أو حتى اللوحات التي رسمتها لحمَّام السوق، إذ يظهر هذا بوضوح في الأشكال البشرية والحيوانية المتكررة. والأهم من هذا هو أن زيداً تفوقت في استخدام الألوان في لوحاتها التجريدية كما نجحت في خلق تمازج لوني رائع ميَّز فنها.

توفيت فخر النساء زيد عام 1991 عن عمر ناهز التاسعة والثمانين، وخلَّفت وراءها إرثاً بصرياً لحياة استثنائية. يمكن مشاهدة أعمالها في صالات العرض والمتاحف حول العالم مثل متحف الفن الحديث، ومتحف "دسلدورف"، والمجموعة الملكية الأردنية، ومتحف إسطنبول للفن الحديث، ومتحف الرسم والنحت في إسطنبول، ومتحف: المتحف العربي للفن الحديث في الدوحة. مُنحت زيد جائزة  "المملكة الأردنية الهاشمية" وجائزة "ريسبولي" الإيطالية، وقُلدت وسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة ضابط.

حوارات حول الفن مع "إدوارد روديتي"، "سيكلر وواربرج"، لندن 1960.

نيويورك تايمز، موت فخر النساء زيد، رسامة تجريدية، 89 ، طبع في 11 سبتمبر 1991.

أندريه بارينو، فخر النساء زيد، معهد فخر النساء زيد الوطني . الملكي الأردني للفنون الجميلة، عمان، 1984.

رولاند بينروز، أفكار مستوحاة من لوحات فخر النساء زيد، معرض فخر النساء زيد في بريطانيا العظمى 1947- 1948، بريستول ودابلن، 1950.

زينب ياسا يمان، الفنان واستكشاف ما وراء أيديولوجيات العولمة، في الذكرى المئوية لفخر النساء زيد، مؤسسة خالد شومان - دارة الفنون، عمان، 2005.

  1. ميشيل راغون، اقتباس أندريه بارينو، فخر النساء زيد، معهد فخر النساء زيد الوطني الملكي الأردني للفنون الجميلة، عمان،1984 ، ص21. ​
  2. شارل استيين، اقتباس أندريه بارينو، فخر النساء زيد، معهد فخر النساء زيد الوطني الملكي الأردني للفنون الجميلة، 1984 ، ص 24.
  3. اقتباس عن فخر النساء زيد من أندريه بارينو، فخر النساء زيد، معهد فخر النساء زيد الوطني الملكي الأردني للفنون الجميلة، عمان، 1984 ، ص 37.
  4. اقتباس لتشارلز استيين من المرجع نفسه، ص 24​.

 

نُشر هذا المقال سابقاً في دليل معرض "دائماً الآنخمس قصص من المجموعة الدائمة"صدرت الطبعة الأولى سنة ٢٠١٢ عن دار بلومزبري – مؤسسة قطر للنشر، الدوحة، قطرجميع الحقوق محفوظة © متحف: المتحف ​العربي للفن الحديث ومتاحف قطر، الدوحة، قطرتحرير دندى الشبُّوط.